السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
فتح عينيه..مدّ جسده الصغير ورفع يديه..ثمّ قفز من فراشه راكضاً نحو الباب..فتحه وخرج إلى فناء منزلنا ليلعب..
كم من الطموحات والأحلام والأفكار راودته قبل أن يقوم بتلك الخطوات؟
هل احتاج إلى كثير جهد ليمارسها؟
ولماذا لا أقلّده؟ أحاول أن أفعل مثلما فعل هو؟ إنّه أصغر منّي..ولكن..نجح في تحقيق حلم لم أستطع أنا تحقيقه منذ تسع سنوات..
استيقظت من النوم..لم أفتح عينيّ بعد..قرّرت أن أقوم بنفس الخطوات التي رأيته يفعلها ذلك اليوم..
قرّرت أن أحسم أمري..وأن أعرف..إلى أيّ حدّ يمكنني الوصول..
بدأت..وكلّي حماس مشتعل نحو أمل صارخ قويّ أمامي..
فتحت عينيّ..مددت جسدي ورفعت يديّ..لم يتمدّد جسدي تماماً مثلما تمدّد جسد أخي..ولكنّه بطريقة ما عبّر عن(امتداده)!
قفزت من فراشي..ووقعت على الأرض..
هل انتهى كل شيء؟ أهذه هي محطتي الأخيرة؟ أن أبقى طريحاً على الأرض؟ هل أبكي؟ دمعت عيناي..لا..لقد أمضيت عمري باكياً..هل أنادي أمي؟ لا..أيضا..فقد أمضيت عمري كلّه أناديها..زحفت نحو الباب بيديّ..يداي التي لا يتحرّك سواهما من أطرافي الأربعة..
صررت على أسناني..إنّني أقترب..أقترب..
وصلت أخيراً إلى الباب..
كيف أصل إلى يده حتى أفتحه؟ سأخرج -بإذن الله- لألعب كما يلعب الآخرون..وإن اختلفت عنهم..
تمسّكت به..انزلقت يدي..تمسّكت للمرّة الثانية..لتعود وتنزلق..عليّ أن أعتمد على شيء ما مرتفع عن الأرض لأصل إلى الباب..
حرّكت رأسي متلفّتا في غرفتي..ها هو الكرسيّ المتحرّك..ولكنّه بعيد عني..
لن أستسلم..زحفت إليه..تعبت..ولكنّني قرّرت..والله معي..
دفعته إلى الباب..أنا أعاني..لا يهمّ..ما دام أنّني سأعرف ما حدود عالمي..ما آفاق قدراتي..
استندت على الكرسي..رفعت جسدي...آه..ما أثقلك أيّها الجسد..
كم تمنّيت أن أكون طائراً يسبح في السماء..الحمد لله على كلّ حال..
جلست على الكرسيّ..جلست وحدي..نسيت الباب الذي أردت فتحه قبل قليل..يا رب..شكراً لك..أنا أعرف كيف أجلس على الكرسيّ دون الاعتماد على أحد..شكراً لك يا ربّ..
حرّكت عجلات الكرسيّ..رفعت جسدي مرّة أخرى لكي أصل إلى يد الباب..
المحاولة الأولى..فشلت..
الثانية..فشلت..
الثالثة..أوه..الباب يفتح من خلفه..
- يا إلهي..أنت على الكرسي؟من حملك يا صغيري؟
حاولت أن أتكلّم أشرت إلى صدري:
- أنا..أنا..أنا...
تنهّدت أمي..
- أنت من طلب الجلوس عليه..أهو أخوك من حملك؟ ليته فتح لك الباب أيضا أو دعاني لأخذك..
ودفعتني والدتي إلى غرفة الجلوس..لتناول الإفطار..التفتُّ إلى الباب..(موعدنا في المرة القادمة أيّها الباب)
هناك أمل..نور يضيء ما بين جوانحي..أشياء كثيرة يمكنني عملها..سأخرج من غرفتي..دون مساعدة أحد..سأنزل السلالم دون مساعدة أحد..سأخرج إلى فناء المنزل..دون مساعدة أحد..سأفعل ذلك كله..لن يكون معي أحد..إلا الله..أنت وحدك يا الله من سيساعدني..
في كلّ ليلة أخلد فيها إلى النوم كانت أمي تردّد على مسامعي أنّ الله معنا يرانا..ويرحمنا..وهو الذي يساعدنا..
وأنا أؤمن بهذا كلّه..ومن أجل ذلك..خضت المغامرة..
عدت إلى الباب..كانت الخطوات السابقة أكثر سهولة ممّا مضى..وفتحت الباب..
حرّكت الكرسي..صحت للجميع..
- لقد خرجت..لقد خرجت..
ركضت والدتي..جاء أبي مذهولاً..صرخ أخي فرحاً..وانهمرت دموعي:
- خرجت وحدي..خرجت وحدي..
احتضنوني جميعهم..وبكوا بقوة..بكوا من شدّة الفرح..
لم يعد من الغريب أن أمارس تلك الهواية الجديدة أمام أسرتي..ولم أعد مملا..أو بغيضاً..أو أطالب بالخروج من مكان لآخر عندما لا يريد الآخرون ذلك..أصبحت أملي قراري على نفسي وأنفّذه..دون تعب..واتجهت أنظاري نحو مغامرة جديدة..ركّزت عيني في السلالم..
هل أستطيع النزول منها بالكرسي؟ نوع من المخاطرة..لقد جرّبت ذلك رغما عني..عندما دفعني أخي بقوّة وسقطت على وجهي..كان ذلك مؤلماً للغاية..ولذلك كنت أكثر واقعيّة..وأكثر حذراً..وبعد صراع مع أمي التي تخاف عليّ كثيرا..
نجحت في الزحف على السلالم..
العالم يكبر أمامي..يمتدّ..أقترب من فناء المنزل..أزحف فيه أحيانا..أحيانا ألعب..وأبني بيوتاً صغيرة من الطين..أتنزّه على الكرسي..أواجه بعض الصعوبات..ولكنني أجتازها لأنّ الله معي..
بعد سنة من ذلك القرار الذي اتخذته..هذا أبي يناديني:
- انزل إلى باب المنزل..سنذهب إلى المسجد..أتريد أن أحملك؟
هززت رأسي بالنفي:
- سأنزل وحدي..
تختلف طريقتي في الصلاة عن طريقة الآخرين لأنّني لا أستطيع القيام..ولكنّني وفي وضع السجود..أخترق جميع المشاعر..
وأتمتم بكلّ إخلاص: "اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك"
تماما كما علّمتني أمّي.
(همسة : هذه القصة رسالة لكل من ينتظر التغيير دون أن يبذل جهدا
ونسي قول الله تعالى "إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"