مالكوم اكس؟؟؟؟

مالكوم اكس: الوجوه المتعددة لبطل امريكي مسلم

<td width=1>
الزعيم الامريكي الاسود مالكوم اكس
ابراهيم درويش

بالنسبة للملايين من المسلمين الامريكيين السود يمثل مالكولم اكس (1925 - 1965)، رمزا للكفاح ضد العنصرية والفصل والتمييز، والحرمان من الحياة الكريمة.

وتعلم حياته فصلا مهما من فصول التحول في حياتهم منذ جرهم كالمواشي عبيدا للعمل في مزارع الجنوب، ثم تحررهم وبحثهم عن مكان في عالم لا يعترف بوجودهم، وتمردهم ودفاعهم عن انفسهم ضد القوى التي ارادت القضاء على وجودهم، واكثر من كل هذا فمالكولم اكس، وان اصبح في السنوات الاخيرة من حياته رمزا للتعددية الثقافية ورمزا للتسامح والتعايش بين الاعراق، الا ان قصته كتاب مفتوح ومدار للبحث الدائم عن صور حياته الاولى، فالقصة في حد ذاتها تمثل رحلة رجل اسود من عالم العنصرية والفقر الى التشرد والجريمة والقوادة والبغاء والمخدرات والسطو والسجن ثم اخيرا اعتناق الاسلام الاسود في كل تناقضاته وانحرافاته واخيرا رسوه في قارب الاسلام الصحيح.

نعرف مالكولم اكس من خلال مذكراته الذائعة الصيت والتي تعاون فيها مع الكاتب الامريكي الاسود المعروف اليكس هيلي، صاحب الرواية الذائعة الصيت ' الجذور' التي حولت في سبعينيات القرن الماضي الى مسلسل تلفزيوني مهم شاهده ملايين الامريكيين والذين رأوا فيه كيف عامل آباؤهم السودَ من ابناء الوطن الواحد. وظلت مذكرات اكس التي نشرت بعد وفاته مصدرا مهما للمهتم والقارئ العادي لانه حكى لنا قصته بكل ما فيها من اسى وكفاح وامل وبحث عن طريق، ولم يقتصر تأثيرها على السود الامريكيين ولا المسلمين منهم، فالسجين الامريكي في اثناء حرب افغانستان، جون وولكر ليند، الذي اعتقل وهو يقاتل في صفوف طالبان او القاعدة عام 2001 قال انه تعرف على الاسلام بعد قراءته قصة مالكولم اكس، وادى فيلم المخرج الامريكي سبايك لي، عام 1992، الذي قص حكاية البطل الاسود في ثلاث ساعات معلما مهما من معالم تأكيد صورة مالكوم اكس، الذي ظلت شخصيته تعامل وكأنها هامش من هوامش حركة الكفاح المدني، التي تتسيدها قصة مارتن لوثر كينغ الذي ظل شهيد الحركة مع ان ما قاله كينغ لا يختلف تماما عما قاله مالكولم اكس بشأن وضع السود في امريكا ومصيرهم.

وأيا كان فمذكرات اكس ظلت مصدرا ملهما لمن اراد قراءة السيرة الافريقية المسلمة في امريكا ومن اراد ان يتعرف على فصول الاسلام وتنوعاته في امريكا. فالاسلام الامريكي الاول الذي مثلته جماعة امة الاسلام قدم رؤية خليطة من معالم الوطنية الافريقية ـ الجامعة الافريقية ـ والمهدوية - خلطت كلها مع تأثيرات توراتية وتعاليم طوطمية وغلفت بغلاف اسلامي وباسماء اسلامية ـ الرب - مكة واستعادة الافريقي اسمه المسلم، ففي مرحلة لاحقة سيتسيعد مالكوم ( اكس) اسمه بعد ان تخلص من اسمه الذي اطلقه السادة على العبيد بعد تعميدهم، وتسمى باسم ' مالك الشهباز' وهو اسم قبيلة السود الضائعة التي تؤسس لتفوق الجنس الاسود على الجنس الاري الابيض حيث اصبح الاخير ضمن المنظومة الجديدة في الكون والعالم وما بعده رمزا للشر. وبدأ الدين الجديد هذا يؤسس لعقيدة جديدة تحاول اعادة الثقة للرجل الاسود وتدعوه للعمل والاكتفاء والكفر بالنظام القائم الذي لا يمنح الاسود فرصة متساوية، فالانتخابات والمؤسسات القائمة ما هي الا اليات تعمل على تهميش السود واخراجهم من المعادلة الوطنية او ادامة الوضع القائم، وفي قصة مالكوم اكس ما يمنح القارئ صورة، فهذا الولد الذي كافحت امه وابوه الفقر لإعالة عائلة من ثمانية افراد، كان مبرزا في دراسته الابتدائية والثانوية ، وكشف لاستاذه الابيض مرة طموحه كي يصبح محامياً ويدرس القانون، وبدلا من تشجيعه له اعاده للواقع وذكره بوضعية السود قائلا له ان عليه التفكير بشكل واقعي لان هذه المهن ليست للسود، فمثله يجب ان يفكروا بحياة مهنية في النجارة والحدادة والعمل في المزارع.

في تلك السنة، رسب الطالب المحبوب من الطلاب السود والبيض والمحبوب من البنات البيض ايضا، وقرر ترك بلدته لانسينغ قرب ديترويت وشق طريق آخر في بوسطن وهارلم في امريكا واخيرا السجن. وفي السجن يعيد الولد تشكيل حياته ويعمل على تثقيف نفسه ويحفظ القاموس الانكليزي - الكلمات المستعملة منه وغير المستعملة - وفي السجن يتعرف على امة الاسلام حيث يصبح صوت الجماعة ورمزها الاول قبل ان يكتشف الاسلام في رحلته لمكة والحج، وتكريسه حياته الاخيرة لقضايا عالمية تهم افريقيا والعالم الثالث.

اغتيال في مسرح

في 21 شباط ( فبراير) 1965 قامت مجموعة من المسلحين السود باغتياله وهو يعد نفسه لالقاء كلمة في مسرح ' اوبودون' في قلب حي هارلم في نيويورك. في ذلك اليوم حصل نوع من الخرق في حراسة مالكولم واختفى حتى حارسه الذي كان يجب ان يأخذ مكانه خلفه، وفي قصة الاغتيال اسئلة كثيرة لم يجب عليها البحث في حياته، وظل السؤال يدور حول من قتل مالك الشهباز؟ هل جماعة امة الاسلام التي غضبت عليه لانشقاقه عن الجماعة ام ان مكتب التحقيقات الفدرالي ( إف بي آي) الذي كان يراقب مالكوم اكس منذ عام 1952 وهو في السجن، حيث فتح له ملفا لم يغلق حتى اليوم؟ ام ان تعاونا ما قام بين الجماعة والمكتب السابق؟ هل كان لزعيم الجماعة لوي فرقان الذي خلف الايجا محمد، مؤسس الجماعة الحقيقي بعد وفاة واختفاء المؤسس الاول فارد؟

بطل الغيتو وبطل الريف

مع ان زوجة مالكولم، بيتي شهباز، ظلت تؤكد حتى وفاتها ان من قتل زوجها هو مكتب الإف بي آي، الا ان فرقان اعتذر قبل اعوام في مقابلة تلفزيونية لواحدة من بنات اكس، في محاولة لطي الفصل الذي لم تنته كتابته بعد. وبعيدا عن هذه التفاصيل التاريخية فتاريخ اغتيال مالكوم اكس محفور في ذاكرة السود الامريكيين كاغتيال مارتن لوثر كينغ في ممفيس. ومثلما شهدت حياته تحولات مستمرة فصورته شهدت تحولات كثيرة في الذاكرة الامريكية، فقد رفع اتباعه شعار ' قوة السود' واصبح رمزا لكل ما يعني ان تكون اسودا، ومثل كل مثقفي وقادة السود فقد شجب الاثار النفسية والثمن الذي دفعه السود من سنوات العبودية، وفوق كل هذا مثل رمزا للبطل الذي لا يستسلم وآمن بالفعل، حيث كان المضاد لحركة اللاعنف التي عبرت عنها الطبقة المتوسطة من السود الامريكيين. وهنا يجب المقارنة بين بطلين وفعلين تشابهت حياتهما وظروف موتهما، اي مالكوم اكس ولوثر كينغ.

فعلى خلاف الاول قضى كينغ حياته في المناطق الريفية في اتلاتنا واصبح معبرا ورمزا لعذابات البلدات الريفية الصغيرة للسود ومطالبها، فيما تحول اكس الى ممثل لثقافة الغيتو واحياء الفقر والتشرد. وعبر اكس عن ثقافة العنصرية الموجهة ضد السود في احياء المدن واحيائها، ومن هنا فغضبه هو غضب على نظام المدارس الذي يفصل بين البيض والسود، واوضاع السكن وسياسات حرمان السود من السكن في مجمعات للبيض، واوضاع حياة السود من ناحية المصاعب اليومية وغياب الرعاية الصحية التي كانت سببا في ارتفاع نسبة الوفيات بين الاطفال السود. ومن هنا كان اكس قادرا على ان يجمع حوله الكثير من السود الذين استمعوا لخطبه وايدوا مثاله الداعي للمواجهة مقارنة مع الخطاب المعتدل والمسالم والداعي للاعنف. فهذا الخطاب لم يكن كافياً بالنسبة للسود لتدمير مؤسسات التمييز العنصري التي اقامها البيض لحرمانهم.

التحولات والوجوه

قلنا ان ' مذكرات مالكولم اكس' التي اعدها هيلي كانت سببا اضافة إلى فيلم سبايك لي في تأكيد صورة البطل كرمز من رموز التعددية الثقافية، خاصة ان المرحلة الاخيرة وبعد اكتشافه الاسلام الحقيقي شهدت تحولا في تعامله مع البيض، فقد سمح لهم بحضور محاضراته وخطاباته بعد ان كان يمنعهم. ومع تحول مذكرات اكس الى كتاب اساسي من كتب الدراسة في المدارس والكليات، اضافة لتوسع مجال البحث العلمي والدراسات والكتب التي لا تحصى فإكس تأسس بصوره المختلفة في الذاكرة الجمعية الوطنية. وكما هي حالة الابطال الذين يموتون اغتيالا او يستشهدون فصورتهم تصبح مجالا للادعاء والزعم ، فبعد وفاة مالكولم اكس، ادعاه التروتسكيون ـ اليساريون لانفسهم، وكذا دعاة التميز الثقافي الاسود ـ الوطنية السوداء - اما بالنسبة للمسلمين في كل انحاء العالم فقد اضحى اكس بطلهم.

ومظاهر التحولات والقولبة يمكن تعميمها على ابطال نعرفهم، فرمز القسام في الثورة الفلسطينية رحل طويلا في الذاكرة الفلسطينية من بطل من ابطال الثورة الى رمز للهوية العربية باعتبار اصله السوري الى رمز للوطنية الفلسطينية فتح ولليسار باعتبار دفاعه عن المحرومين والى اسلامي اخواني واخيرا حمساوي ولم يفت رمز القسام السلفيون ، الذين ادعوه لانفسهم باعتبار محاربته للبدع. وبالعودة الى البطل الامريكي المسلم فقد اطلقت العديد من النوادي في الاحياء والمدن. واصبح اسم مالكولم اكس جزءا من لغة وادبيات السود النجوم، فقد وصفه الممثل اوسي ديفيز قائلا ' رجولتنا- الحي، رجولة السود'، وتم انشاء جمعية مالكولم اكس في الجيش الامريكي، وانشئت جمعية مالكولم اكس للديمقراطيين في هارلم. وفي عام 1968 طلب المنتج السينمائي مارتن وورث من جيمس بالدوين كتابة نص سينمائي بناء على سيرته ووصف بالدوين المشروع بانه ' اعترافاتي، فهي قصة اي قطة سوداء في هذا المكان والزمان المثيرين'.

وفي بداية السبعينيات من القرن الماضي دعيت زوجة الشهيد الى حفلة كبيرة عقدت لجمع اموال لحملة ريتشارد نيكسون الانتخابية. ولعل اهم عوامل الاحياء والاستمرار في صورة اكس كأيقونة امريكية هي دخوله في لغة ' هيب ـ هوب نيشين' المتمردة حيث حضرت صورته في البومها ' اخرسه' وتم الصاق الصورة على وجه جورج واشنطن على الدولار الامريكي. فيما ظهرت صورة البطل الاسود على اغلفة عدد من سي دي الفرق الموسيقية. ولم تلعب صورة اكس في غناء وافلام السود بل ان نائب الرئيس في حينه، دان كويل، قال انه تعرف على اسباب الغضب لدى السود من خلال قراءته سيرة مالكولم اكس. وبعد عرض فيلم سبايك لي اظهر استطلاع ان 85 بالمئة من الشباب السود اعتبروا اكس ' بطلا اسود لامريكا الحديثة'. المهم في مظاهر التحولات ان الكتاب والباحثين اخذوا يتعاملون مع اكس باعتباره جزء اساسيا من معمار الهوية الافروامريكية المعاصرة.

فيما تعامل البيض مع صورته من خلال تحولاتها من داع للفصل الى الهوية المتعددة ثقافيا. كل هذا جعل من مالكوم اكس المقاتل الهامشي في مجتمع عنصري الى جزء من الثقافة الرسمية الامريكية. ويظهر هذا في البيان الذي اصدرته سلطة البريد والطوابع الامريكية عام 1999 مع الاصدار الخاص بطابع يحمل صورته حيث وصفته بقولها ان مالكولم اكس اصبح داعية الى ' اندماج اوسع كحل للمشاكل العنصرية' كل هذا الاحتفال والاحتفاء واعادة التشكل لم يمنع الاكاديمي مانينيغ ماربل من ان يعيد قراءة البطل عبر ما يراه اقنعة متعددة واعادة خلق دائم ومدروس للشخصية من جانب اكس نفسه.

اقنعة واسماء

ماربل الذي توفي قبل صدور كتابه ' مالكولم اكس: وحياة تخلق متكررة' والكاتب هنا يرى ان دراسة ما يراه الاقنعة المتعددة واعادة الخلق الدائم للشخصية يجب ان يبدأ من دراسة سيرة اكس ومن عمل على صياغتها وتدوينها ، حيث يرى ان هناك اجندة خاصة لاليكس هيلي الذي كان متقاعدا من حرب الشواطئ الامريكية، وكان ليبراليا جمهوريا نظر الى امة الاسلام بنوع من الاحتقار. ولكنه مع هذه النظرة الدونية جذبته شخصية اكس المعذبة. وعندما بدأ التعاون يقول ماربل عام 1963 ان هيلي كانت لديه اجندة مختلفة عن مالكولم اكسن فالاخير كان يطمح من حكاية سيرته إلى ان يقدم قصة ترفع معنويات من يقرأها ووجد فيها فرصة لاهالة المديح على زعيم الحركة الايجا محمد، وبعد ان انفصل اكس عن الاخير حاول ان يستخدم السيرة كي يوضح اسباب انفصاله عن جماعة امة الاسلام. خلافا لاكس كان هيلي يريد ان يقدم قصة عن الضياع والتراجيديا التي سببها الفصل العنصري. ويعتقد ماربل ان السيرة الذاتية في النهاية هي رؤية هيلي وليست اكس الذي مات بعد عامين من بداية المشروع ولم يكن لديه الوقت كي يعيد قراءة وتعديل ما قاله لكاتب سيرته.

تناقضات هيلي

ويقول ان علاقته مع السيرة هذه تعود الى عقدين من الزمان عندما كان يدرس مساقا عن الفكر السياسي للقادة الافروامريكيين في جامعة ولاية اوهايو، ومع ان مالكولم اكس كان من اهم القادة من السود ممن اهتموا بالنشاط السياسي من قلب المجتمعات السوداء الا ان السيرة تصمت حول دوره في الجمعية العالمية للوحدة الافريقية التي انشأها وعمل من خلالها اكس. ويرى الكاتب انه بعد اعوام من البحث والتنقيب وجد ان عددا من الفصول الاصلية محيت من السيرة قبل ارسالها للمطبعة، وبحسب هيلي فان الحذف جاء بناء على طلب من اكس بعد عودته من مكة، ولكن اكس لم يكن لديه اي رأي في قرار هيلي دعوة الصحافي ام هادلر من ' نيويورك تايمز' لكتابة مقدمة للسيرة، وهو الصحافي الذي لاحق حياة وكفاح اكس خلال اعوام طويلة. ولم يكن كذلك لاكس اي دور في النتيجة التي توصل اليها هيلي والتي تموضع اكس في داخل حركة الكفاح المدنية. ولاحظ الكاتب ان هناك عددا من التناقضات والاخطاء التي وقع فيها كاتب سيرة اكس من ناحية الاسماء والتواريخ والاحداث مما جعل من مهمة الباحث المتخصص في حيرة من امره في تصديق وتكذيب ما يراه غير منسجم . وتعقيد اخر تطرحه حياة اكس وسيرته هي المستويات المتعددة التي قدم فيها البطل صورته للعالم عبر سلسلة من الطبقات والاقنعة التي جعلته ـ اي البطل ـ قادرا على تعريف نفسه من خلال ما تريده الجماهير، ويقدم للاخير ما يريده.

فكل شخصية وقناع يقدم لنا ملمحا مختلفا عن اكس، من مالكولم الصغير وهو الاسم الذي حمله في الطفولة الى مالك الشهباز تعطينا اطارا وملمحا ثقافيا عن محاولات حثيثة من البطل لاعادة خلق نفسه وموضعتها في السياق المناسب والزمان الذي يتحرك فيه. وما سمح للبطل طرح عدد من الاقنعة هي قدرته الخطابية وحسه الساخر الذي كان يفاجئ فيه منافسيه واعداءه، وهو الذي كان يعطيه القدرة على تمرير افكار وتصريحات مثيرة للغضب. ويشير ماربل الى ان تنوعات ـ طبقات الشخصية تم التعبير عنها من خلال الكم الكبير من الاسماء : الصغير، ابن البلد، جاك كارلتون، احمر ديترويت، الاحمر الكبير، الشيطان، ملاخ الشهباز، مالك الشهباز والحاج مالك الشهباز وعليه فحياته هي سلسلة من اعادة التشكل الدائم ومن احسنها كما يقول ' مالكولم اكس'. ولم يكن هيلي الوحيد الذي قدم اكس بطريقة تخدم اهدافه بل ان معارفه واصدقاءه وكل من كتب عنه قدم صورا غير حقيقية عنه مما ادى الى صناعة اسطورته. ويعتقد ماربل ان ما جعل اكس شخصية مثيرة ليس ما قدم عنه، بل عاملان يجسدان الشخصية السوداء التي ينظر اليها من خلال القواد / المتحايل او المبشر/ القس، ولان اكس كان فاهما للثقافة السوداء - الفولكلورية والدينية فانه كان يمزج خطاباته بإشارات وامثلة منها. ولأن اكس كان مراقبا واعيا وملاحظا للحياة والسياسة حوله فانه خزن في داخله القدرة على التحليل والاستعادة.

سجل اجرامي مبالغ به

وفي داخل قصة اكس قبل تحولاته الى امة الاسلام والاسلام نقرأ محاولة منه او من غيره للمبالغة في تاريخه الاول - الارضي والرذيلة ـ ويكشف لنا ماربل ان كون اكس رجل عصابات ومباغ ٍ تمت المبالغة بها من اكس نفسه او غيره. ويقول ان سجل اكس الاجرامي ما بين 1941- 1946 يظهر ان اكس قام بتكبير دوره وتاريخه هذا. والسبب في هذا انه كلما عمل اكس على خلق نفسه وهويته كان قادرا على الوصول الى مستمعين جدد داخل المجتمع الاسود. وبناء على هذا رأى ماربل ان هناك حاجة للبحث خارج الاسطورة وتقديم ما حدث في الحقيقة واعادة تشكيل الحياة من خلال ما توفر لديه من وثائق ومعلومات وقراءة لمراسلات اكس، كما ان الكاتب يذهب ابعد من هذا لتقديم ما لم يكن اكس ليعرفه عن حياته هو وهو المدى البعيد الذي ذهب فيه الـ ( إف بي آي) لمراقبته وتكبير ملفه الامني، ويقدم الكاتب قصة من خانوه من اصدقائه وكانوا سببا في اغتياله. ومع ان مشكلة اعادة تركيب حياة اكس من الوثائق كانت سهلة الا ان سجل نشاطاته داخل امة الاسلام ظلت تحدياً كبيراً له، حيث ظلت الجماعة تتكتم على نشاطاته والوثائق المتعلقة بها.

فقد ظل لوي اكس والكوت ( فرقان) يمنع الصحافيين والباحثين من فحص ارشيف الجماعة. وفي عام 2005 جلس الكاتب مع فرقان جلسة استمرت 9 ساعات وبعدها قدمت له الجماعة سلسلة من التسجيلات والخطب التي القاها اكس اثناء عمله في الجماعة. وتقدم الوثائق هذه صورة عن تطور البطل الروحية والسياسية. ويرى ماربل انه على الرغم من اخطاء اكس الا انه وعلى خلاف غيره كان قادرا على الاعتراف بها والاعتذار عنها. ويظل اكس بالنسبة لمن خالفه او احبه شخصية تاريخية رحلت طويلا من العداء للبيض والانتساب لجماعة انفصالية تفوقية الى البحث في هوية الاسلام وعالميته والتي تتجاوز العرق واللون ومن خلاله كان قادرا على الاتصال مع الاخوان المسلمين في مصر وغزة ولبنان واقامة علاقات مع نظام ناصر في مصر- كما يقول ماربل.

تاريخ التاريخ

يموضع ماربل حياة اكس في سياق التاريخ الامريكي الاسود ويقرأها عبر منظور تجربة والده ايرل وامه لويز التي ماتت في مصحّ المجانين، ووالده الذي قتل في جريمة عنصرية، وهي تجربة لها علاقة بحركات تقوية السود الامريكيين والجامعة الافريقية والبحث عن الجذور مثل حركة ماركوس غارفي ويرى الكاتي ان هناك شبها في جذور الحركة هذه وما نتج من حركات اخرى تدعو الى بناء الثقة داخل الرجل الاسود وتعيد له انسانيته. كتاب ماربل مفصل ومليء بالتفاصيل والوئاثق والقارئ له ان تجاوز مشكلة المصطلحات والاسماء المتعددة واالمختصرات وما اكثرها يعثر على منجم من المعلومات، ويكشف الكاتب عن قدرة على فهم السياق التاريخي وتحليل ابعاد حياة الكاتب وزمنه واطاره الثقافي. وفي حياة مالكوم اكس قراءة لتاريخ الامريكيين السود من نهاية القرن التاسع عشر حتى الان.

** منشور في صحيفة "القدس العربي" في 8 مايو / آيار 2011