السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخوة الاعزاء
الحلقة العشرون من سلسلة وغدا نلقى الاحبة محمد وصحبه
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس
كنى أبا عبد الرحمن
له من الولد : عبد الرحمن وأم عبد الله وولد آخر
كان معاذ رجلا طوالا أبيض حسن الشعر عظيم العينين مجموع الحاجبين جعدا قططا
أسلم وهو ابن ثمانى عشرة سنة وشهد العقبة مع السبعين وشهد ايضا بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبى بحرية قال : دخلت مسجد حمص فاذا أنا بفتى حوله الناس جعد قطط فاذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ فقلت : من هذا ؟ قالوا : معاذ بن جبل ( اسم أبى بحرية : يزيد بن قطيب السكونى ) الراوى
وعن أبى مسلم الخولانى قال : أتيت مسجد دمشق فاذا حلقة علم فيها كهول من أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واذا شاب
فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا فى شىء ردوه الى الفتى قال : قلت لجليس لى : من هذا ؟ قالوا : هذا معاذ بن جبل
وعن زهد معاذ بن جبل
عن مالك الدارى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها فى صرة فقال للغلام : اذهب بها الى أبى عبيدة بن الجراح ثم تله ساعة فى البيت حتى تنظر ما يصنع
فذهب الغلام قال : يقول لك أمير المؤمنين : اجعل هذه فى بعض حاجتك قال : وصله الله ورحمه ثم قال : تعالى يا جارية اذهبى بهذه السبعة الى فلان وبهذه الخمسة الى فلان وبهذه الخمسة الى فلان حتى أنفذها
فرجع الغلام الى عمر بن الخطاب فأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل فقال : اذهب بها الى معاذ بن جبل وتله فى البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع
فذهب بها اليه قال : يقول لك أمير المؤمنين : اجعل هذه فى بعض حاجتك فقال : رحمه الله ووصله تعالى يا جارية اذهبى الى بيت فلان بكذا واذهبى لبيت فلان بكذا فاطلعت امرأته فقالت : ونحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق فى الخرقة الا ديناران فدحا بهما اليها فرجع الغلام الى عمر بن الخطاب فأخبره بذلك فقال : انهم اخوة بعضهم من بعض
بمعنى انه عندما اعطى سيدنا عمر بن الخطاب لغلامه المال 400 دينار ليعطيها الى ابى عبيدة بن الجراح اخبر غلامه ان يظل معه
ساعة حتى يرى ماذا سيفعل وابو عبيدة بن الجراح قد وزعها كلها على المساكين وعندما رجع الغلام لامير المؤمنين عمر بن الخطاب اخبره بما شاهد ووجد انه قد جهز نفس المبلغ لمعاذ بن جبل وقال له ايضا انتظر معه ساعة حتى ترى ماذا سيفعل
وهكذا اخذ معاذ بن جبل المال ووزعها ايضا على المساكين وقالت له زوجته نحن ايضا من المساكين ولم يتبقى معه بعد توزيع المال الا دينارين فقط فاعطاها اياهم بالرغم ان حالته لم تكن ميسورة وفقير الا انه قد آثر المساكين على نفسه فعلا هؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقت فيهم الاية الكريمة
ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة صدق الله العظيم يعنى يفضل غيره على نفسه وهذا اعظم العطاء على وجه الارض حتى ولو كان سيناله ضرر من فعل هذا او من جراء هذا لك الله يا معاذ
عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعلم أمتى بالحلال والحرام معاذ بن جبل ) رواه الامام أحمد
ما أجمل شهادك يا رسول الله لمعاذ بن جبل بمعرفته الامور الحلال والحرام
وعن عاصم بن حميد عن معاذ بن جبل قال : لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله يمشى تحت راحته فلما فرغ قال : يا معاذ انك عسى أن تلقانى بعد عامى هذا ولعلك تمر بمسجدى هذا وقبرى فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال : ان أولى الناس بى المتقون من كانوا وحيث كانوا
هذه صورة اخرى لمعاذ توضح حبه لرسول الله فعندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يودعه ويوصيه لذهابه لليمن
قال له الرسول من الجائز ان لا ترانى مرة اخرى وستمر وانت قادم مرة اخرى على مسجدى هذا وعلى قبرى يشير النبى صلوات الله وسلامه عليه بقبره وهو حى لنظرته المستقبليه ولاحساسه بروحانية الامور فبكى معاذ لانه لن يرى الرسول مرة اخرىوكان عليه التوجه الى اليمن بل اتجه الى المدينة مرة اخرى حتى لا يدع رسول الله وقال ان اولى الناس بى المتقون اى متقى وفى اى مكان سواء فى المدينة ام فى اليمن بل سافضل المدينة لمجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن شهر بن حوشب قال : قال عمر بن الخطاب : لو استخلفت معاذ بن جبل فسألنى عنه ربى عز وجل : ما حملك على ذلك ؟
لقلت : سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول : ان العلماء اذا حضروا ربهم عز وجل كان بين أيديهم رتوة بحجر
وعن الشعبى قال : حدثنى فروة بن نوفل الاشجعى قال : قال ابن مسعود : ان معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا فقيل
ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا سورة النحل
فقال : ما نسيت هل تدرى ما الامة وما القانت ؟ فقلت الله أعلم فقال الامة الذى يعلم الخير والقانت المطيع لله عز وجل وللرسول
وكان معاذ بن جبل يعلم الناس الخير وكان مطيعا لله عز وجل ورسوله
وكان معاذ بن جبل يوعظ الناس وعن ابى ادريس الخولانى ان معاذ بن جبل قال : ان من ورائكم فتنا يكثر فيها المال
ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والصغير والكبير والاحمر والاسود فيوشك قائل ان يقول : مالى أقرأ على الناس
القرآن فلا يتبعونى عليه فما أظنهم يتبعونى عليه حتى أبتدع لهم غيره
اياكم واياكم وما ابتدع فان ما ابتدع ضلالة وأحذركم زيغة الحكيم فان الشيطان يقول : على فى الحكيم كلمة الضلالة وقد يقول المنافق كلمة الحق فاقبلوا الحق فان على الحق نورا فقالوا : وما يدرينا رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة ؟
قال : هى كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه ؟ فلا يثنكم فانه يوشك أن يفىء ويراجع بعض ما تعرفون
بمعنى ان معاذ بن جبل كان يوعظ الناس بانه سوف ياتى زمان يكون فيه الناس متهافتين على المال والمال كثير وستكون هناك
فتن وسيكون القرآن مقراة للناس مع اختلافهم المؤمن والمنافق والصغير والكبير حتى ان القارىء على الناس سوف يقول
لماذا اقرأ عليهم ولم يتبعونى فيما اقول سوف ابتدع لهم اشياء حتى يتبعونى ويقول لهم معاذ احذروا من البدع فانها ضلالة
واحذروا ايضا الحكيم لان الشيطان يغويه بقول الخطأ والمنافق قد يقول الصح فسالوه الناس كيف نعرف الخطأ من الصح
قال لهم معاذ عندما يحدثكم الحكيم فسوف تعرفون من كلامه انه خطأ لانكم ستتعجبون مما يقول وتنكروه عليه وكلام المنافق قد يكون على حق لان الحق نور وسوف تعرفون انه الحق فعلا بالغت يا معاذ فى نصيحتك ووعظك للناس
وعن عبد الله بن سلمة قال : قال رجل لمعاذ بن جبل : علمنى قال : وهل انت مطيعى ؟ قال : انى على طاعتك لحريص
قال : صم وأفطر وصل ونم وأكتسب ولا تأثم ولا تموتن الا وأنت مسلم واياك ودعوة المظلوم
وعن معاوية بن قرة قال : قال معاذ بن جبل لابنه : يا بنى اذا صليت فصل صلاة مودع لا تظن أنك تعود اليها أبدا واعلم يا بنى أن المؤمن يموت بين حسنتين حسنة قدمها وحسنة أخرها
وعن محمد بن سيرين قال : أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه فقال : انى موصيك بأمرين ان حفظتهما حفظت انه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وانت الى نصيبك من الاخرة أفقر فآثر من الاخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاما فتزول به معك أينما زلت
وعن أشعث بن سليم قال : سمعت رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل قال : ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وستبتلون بفتنة السراء
وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء اذا تسورن الذهب ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير ما لا يجد
معانى جميلة جدا يقولها معاذ بن جبل يقول للناس انكم ابتليتم فصبرتم وهذه فتنه وستصابون بفتنة السراء اى بالعيش النعيم وقد اعتبرها فتنه فى العيش بدون نغص الحياة والمشاكل الماليه وقال لهم ما اخافه عليكم فتنه كبيرة اذا انشغلت النساء بالتحلى بالذهب
واللبس المترفه والحلى وعندها سترهق الغنى فى طلباتها عندما يتقدم اليها للزواج او سترهقه اذا كان زوجها بالطلبات الكثيرة من زينة الدنيا الذهب وخلافه كما ستطلب من سوف يتقدم اليها فقيرا طلبات كثيرة لا يقدر عليها او اذا كان زوجها لا يستطيع تلبية طلباتها
ذكر مرضه ووفاته
عن طارق بن عبد الرحمن قال : وقع الطاعون بالشام فاستغرقها فقال الناس ما هذا الا الطوفان الا انه ليس بماء فبلغ معاذ بن جبل فقام خطيبا فقال : انه قد بلغنى ما تقولون وانما هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وكموت الصالحين قبلكم ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك أن يغدو الرجل منكم من منزله لا يدرى أمؤمن هو أو منافق وخافوا امارة الصبيان
يا الله لقد هون عليهم معاذ بن جبل تلك المصيبة وهى مرض الطاعون الذى انتشر فى الشام وقال لهم ان هذا خير لكم من ربكم وهذه هى موتة الصالحين قبلكم ولكن ما اخافه عليكم ان الرجل يذهب ويجىء ولا يدرى اهو مؤمن ام منافق
وعن شهر بن حوشب عن رابه رجل من قومه كان شهد طاعون عمواس قال : لما اشتعل الوجع قام ابو عبيدة بن الجراح فى الناس خطيبا فقال : ايها الناس ان هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وان ابا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه
قال : وطعن فمات رحمه الله عليه
تمنى ابو عبيدة بن الجراح ان يصاب بالطاعون بمرض به ومات
واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيبا بعده فقال : ايها الناس ان هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين
قبلكم وان معاذا يسأل الله ان يقسم لآل معاذ منه حظه
يا الله تمنى معاذ بن جبل ان تصاب عائلته بالكامل بهذا المرض انظروا معى نتيجة دعوته
قال : فطعن ابنه عبد الرحمن . قال ثم قام فدعا ربه لنفسه فطعن فى راحته فلقد رايته ينظر اليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول : ما أحب أن لى بما فيك شيئا من الدنيا
فطعن ابناه فقال : كيف تجدانكما ؟ قالا : يا أبانا * الحق من ربك فلا تكونن من الممترين
قال : وانا ستجدانى ان شاء الله من الصابرين
ثم طعنت امرأتاه فهلكتا وطعن هو فى ابهامه فجعل يمسها بفيه ويقول اللهم انها صغيرة فبارك فيها فانك تبارك فى الصغيرة حتى
هلك ومات
بمعنى انه يريد ان ينتشر المرض فى باقى جسده حتى يلقى الله وهو صابرا محتسبا لامر الله ولكى يموت موتة الصالحين من قبله
وهو فى موته عندما يشتد به نزع الموت كان نزعا شديدا جدا وكان كلما أفاق من غمرة فتح عينيه ثم قال :
رب اخنقنى خنقك فوعزتك انك لتعلم أن قلبى يحبك
واتفق أهل التاريخ ان معاذا رضى الله عنه مات فى طاعون عمواس بناحية الاردن من الشام سنة ثمانى عشرة واختلفوا فى عمره على قولين أحدهما ثمان وثلاثون سنة والثانى ثلاث وثلاثون
رحم الله معاذ بن جبل أحب لقاء الله وأحب رسول الله وأحب موتة الصالحين
أفاد الناس بالموعظة الحسنة وكانت له ذخرا له فى الاخرة كما أحب ان يدخر معه للاخرة خلافنا نحن نريد ان نكتنز بالكنوز لنأخذها
معنا للاخرة وما نحن باخذين شىء معنا الا العمل الصالح
اللهم احينا مسلمين وامتنا مسلمين والحقنا بالصالحين